الأحد، 20 فبراير 2022

أدب الرحلات// بقلم الشاعر : د. عيسى السلامي

 


🌹أدب الرحلات


رحلة إلى سوريا... 

اتفقنا نحن والأسرة ان يكون صيفنا في دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية. 

- فحزمنا حقائبنا وتوجهنا إلى مطار الملك عبدالعزيز بجده فانهينا إجراءات سفرنا وتوجهنا إلى الطائرة التي تحركت الى أجواء المدينة المنورة صل الله وسلم على ساكنه، وبدأ مضيفو الطائرة بتوزيع الوجبات والمرطبات علينا، ثم واصلت طائرتنا سيرها إلى فضاء حائل ثم تبوك فـ عمان، ومنها دخلنا الاجواء السورية إلى مطار دمشق، وهبطنا في ما يشبه الحديقة الغناء، وذلك للأشجار والزهور التي تحيط بالمكان، فزادته حسنا وبهاء ونضارة، وانهينا اجراءات دخولنا بيسر وسهولة وسط ترحيب الموظفين بالزوار، إلى أن استقلينا سيارة الأجرة وانطلق بنا سائقها في جو بديع ورهيب مع هبات النسيم، المخالطة لعبير تلك الزهور المنتشرة على جوانب الطرقات المعبدة كااحسن مايكون، فأدركنا سر اختيار الدولة الأموية بلاد الشام مقر خلافتها.


و دمشق إحدى أقدم مدن العالم مع تاريخ غير منقطع منذ أحد عشر ألف عام تقريبًا، وأقدم عاصمة في العالم. أصبحت عاصمة منطقة سوريا منذ عام 635.

واسم دمشق لفظة سامية بمعنى الأرض المسقية ؛يعود ذلك لموقع المدينة الجغرافي في سهل خصيب يرويه نهر بردى وفروعه العديدة، مشكلاً بذلك غوطة دمشق؛ وأيضًا يتميز موقع المدينة بوجود جبل قاسيون فيها.

وتتألف دمشق من خمسة عشر منطقة سكنية متصلة بمحيطها من الضواحي لتشكل ما يعرف باسم دمشق الكبرى.


-اقمنا بإحد المنازل وسط البلد ونحن في غبطة وسرور لما وجدناه بدمشق من جمال. وللتوفيق الذي حالفنا لاختيارها وجهة لنا.


ونظرا لبرودة الجو فقد اصاب منا الجوع ما أصاب فسألنا عن موقع نتغدى به فارشدونا الي ارتياد مطعم ابو كمال الذي لا يبعد كثيرا عن مقرنا في حي الصالحية بدمشق فقصدناه فوجدناه جدير بالأكل فيه وماهي الا لحظات حتى انهالوا علينا بالمقبلات والعصائر، ومالذ وطاب من خيرات الشام مع الطبخ الرائع والخدمة الممتازة والمكان المريح، والجو الهاديء والرائحة الطيبة والنظافة العالية.

فسررنا من توجهنا اليه.

وبالحديث معهم علمنا ان المطعم  تأسس عام 1940م  على يد السيد يوسف حبوش، وتطور عمل المطعم، ونال شهرة واسعة. ثم تجولنا  في ذلك الحي الجميل بمحلاته الأنيقة وقمنا بشراء بعض المؤونة من سكر وشاي وبسكويتات، والنعاس يغالبنا وحسب المثل السائد عندنا" اللي يتغدى يتمدى" فعدنا للسكن وتمددنا الي وقت متأخر.


وفي اليوم التالي كانت لنا جولة عامة بدأت بالجامع الأموي، وتحكي قصة بناوه انه عندما أصبحت الخلافة الإسلامية تحت حكم السلالة الأموية، الذين اختاروا دمشق لتكون العاصمة الإدارية للعالم الإسلامي.

كلف الخليفة الأموي السادس، الوليد بن عبد الملك (705–715م) الصناع والمهندسين، ببناء المسجد في موقع الكاتدرائية البيزنطية في عام 706 م..

و أشرف الوليد  شخصيا على المشروع، أمر بهدم معظم الكاتدرائية، بما في ذلك المصلى، وتم تغيير تخطيط المبنى تماما، ليستخدم كمسجد كبير لصلاة الجماعة لمواطني دمشق ومعلما دينيا لمدينة دمشق. 

واكتمل بناء المسجد في عام 715 م، بعد وقت قصير من وفاة الوليد، وخلفه سليمان بن عبد الملك (715–717م) في الحكم..

ووفقا لمؤرخ القرن العاشر ابن الفقيه، تم إنفاق ما بين 600 ألف و 1,000,000 دينار على المشروع، وقد اشتغل به حرفيون أقباط، فضلا عن عمال فارسيين وهنديين ويونانيين ومغاربة الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوة العاملة، التي تتألف من 12 ألف شخص.

ويذكر ابن الفقيه أيضا أن العمال وجدوا مغارة تعود للكنيسة البيزنطية أثناء بناء المسجد، وكانت هذه المغارة تحتوي على صندوق يوجد به رأس القديس يوحنا المعمدان حسب المعتقد المسيحي، أو النبي يحيى بن زكريا في الإسلام. فأمر الوليد بتركه على حاله، وجعل عمودا قائما على المغارة كعلامة مميزة ثم وضع فوقه تابوت عليه اسم النبي والله اعلم. 

تم توجهنا لسوق الحميدية فما من أحد يزور دمشق، إلاّ وكان سوق الحميدية على قائمة الأماكن السياحية التي يبدأ بها ، فهو واحد من أهم الأسواق الدمشقية الأثرية في بلاد الشام، يمتاز بجمالياته المعمارية وروعة الفنون المحفورة على جدرانه.

وما من عروس إلاّ واصطحبتها أسرتها مع الجيران والصديقات لشراء لوازمها من سوق الحميدية، الذي يشتهر بأروع أنواع الأقمشة الحريرية الراقية التي تحاكي في كثير من الأحيان ألوان قوس قزح، فضلاً عن الأقمشة القطنية (المخمل) الدمشقي الشهير المطرز يدوياً.

وأثناء التجوال في سوق الحميدية يسمع الزوار أصوات الباعة ينادون على بضائعهم بأنغام جميلة ولهجة سورية رائعة، وعندما يشاهدوننا يداعبوننا بالمنادة (تعال يازول أمدرمان هنا) وبدهاء الباعة الدمشقيين لابد وأن يشتري «الزبون» .

وتعكس كتب التاريخ وسجلات الآثار أن سوق الحميدية قد بني بديلاً لسوق الروم، ويقال إنه قد تم بناؤه في عصر محمد باشا، وعهد السلطان عبدالحميد الأول، وذلك في العام 1780م، وتأتي تسمية السوق «بالحميدية» نسبة للسلطانين عبدالحميد الأول وعبدالحميد الثاني. 

-ويتحول سوق الحميدية في شهر رمضان إلى تظاهرة رائعة فكل محلات «الياميش» المكسرات تخرج بضائعها أمام المحلات، ولفائف قمر الدين، ومحلات الكنافة والقطائف وراحة الحلقوم، ويصبح السوق مهرجان يعكس جماليات شهر الشهور، يزداد تألقه بعد الإفطار حيث تنقلب المحلات إلى مقاه «تقليدية» تقدم فيها السحلب والقرفة بالمكسرات والبوظة الدمشقية الشهيرة التي لا يعرف أسرار صنعها سوى الدمشقيين.

-وبائع العرقسوس واحد من معالم سوق الحميدية لا يستطيع أي زائر للسوق أن يتجنب كرمه، فهو شخصية يرتدي قفطاناً دمشقياً مزركشاً بخيوط ملونة وتظهر «المريلة» ناصعة البياض، ولغة التخاطب والتواصل بينه وبين زوار السوق هي «بقرقعة» الأطباق النحاسية لجذب الانتباه إليه، وإلى عصائره ومرطباته العذبة، خصوصاً في فصل الصيف، بأكواب ملتفة حول خاصرته.


ثم زرنا جبل قاسيون الذي يشرف على مدينة دمشق، وقد جرى امتداد النشاط العمراني له خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. حيث يضم بعض أحياء دمشق مثل حي المهاجرين، وحي ركن الدين، حي أبورمانة والشيخ محي الدين وغيره.

 وهو أحد أماكن التنزه والترفيه المحيطة بمدينة دمشق بإطلالته الساحرة، إذ يمكن مشاهدة مدينة دمشق بالكامل منه.

تنتشر المتنزهات والمطاعم والمقاهي، ومن معالمه مغارة الأربعين، وقيل أن سبب التسمية هو أن سيدنا يحيى بن زكريا أقام هو وأمه فيها أربعين عاماً، وأن الحواريين الذين أتوها مع عيسى بن مريم كانوا أربعين، وقد أنشئ ضمن المسجد المحدث هناك أربعون محراباً.


وفي اليوم التالي كانت وجهتنا السيدة زينب أو الست هي بلدة سورية تقع على بعد حوالي 10 كم جنوب العاصمة (دمشق) على الطريق السريع المؤدي إلى مطار دمشق الدولي والطريق المؤدي إلى مدينة السويداء. 

و تعتبر منطقة سياحية ودينية يزورها مئات الآلف من السياح والزوار. وهي بلدة لاتنام فهي مزدحمة بالزوار في كل الاوقات وطوال العام.

مقام السيدة  من أهم معالم السيدة زينب ويعتبر المسجد الجامع من التحف المعمارية ومن المقامات والأماكن الدينية الهامة.

-ثم توجهنا إلى حلب  التي تعد أكبر المحافظات السورية من ناحية تعداد السكان بعدد يفوق 4.6 مليون، وهي تقع شمال غرب سوريا على بعد 310 كم من دمشق. وفي طريقنا مررنا بحمص وحماه ومعرة النعمان فاستحضرت استاذنا ابا العلاء المعري وابي تمام والبحتري ودوقلة المنبجي وهو أقدمهم رحمهم الله.

 وتعد حلب من أكبر مدن بلاد الشام، وكانت عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية، وتعاقبت عليها بعد ذلك حضاراتٌ عدة. 

وفي العصر العباسي برزت حلب كعاصمة للدولة الحمدانية التي امتدت من حلب إلى الجزيرة الفراتية و‌الموصل.

أصبحت المدينة القديمة في مدينة حلب من مواقع التراث العالمي اليونسكو في عام 1986.

وقد نالت المدينة لقب عاصمة الثقافة الإسلامية عن الوطن العربي في عام 2006 م.

فوجدناها مدينة جميلة تعج بشتى انواع البضائع التي تنتجها مصانعها المختلفة وتكثر بها محلات بيع الجملة فقضينا بها اوقات ممتعة لما شاهدناه اثناء تطوافنا بها


ومن ذلك مرورنا بقلعة حلب وهي قصر محصن يعود إلى العصور الوسطى. تعتبر قلعة حلب إحدى أقدم وأكبر القلاع في العالم، يعود استخدام التل الذي تتموضع عليه القلعة إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، حيث احتلتها فيما بعد العديد من الحضارات بما في ذلك الإغريق والبيزنطيين والمماليك والأيوبيين، بينما يظهر أن أغلب البناء الحالي يعود إلى الفترة الأيوبية. 

وتقع القلعة بالقرب من مركز المدينة القديمة التي أدرجتها منظمة اليونسكو على لائحة مواقع التراث العالمي عام 1986.

فيا له من تاريخ عريق لمدينة حلب وقلعتها ولسوريا ككل، سعدنا باستحضاره والوقوف عليه.


ثم قفلنا عائدين لدمشق، واثناء تجوالنا بها مررنا بجسر فوق (نهر بردى) الذي تزينه الأشجار والزهور، والمباني الجميلة والمقاهي الحديثة، فاسترجعت قول بعض الشعراء الذين جاء ذكر بردى في اشعارهم:


قال شاعر لبنان الكبير سعيد عقل :

  مر بي يا واعداً وعداً

مثلما النسمة من بردى

تحمل العمر تبدده

 أه ما أطيبه بددا


و قول :ذي القرنين ابي المطاع بن حمدان. 


سقى الله ارض الغوطتين واهلها

فلي بجنوب الغوطتين شجون

وما ذقت طعم الماء الا استخفني

الى بردى والنيرين حنين


وقول امير الشعراء احمد شوقي 

سلام من صبا بردى أرق

ودمع لا يكفكف يا دمشق


فبحثت عن القصيدة واثبتت جزءا منها هنا... 

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ

وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي

جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ

دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ

وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ

وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري

وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ

وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ

لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ

عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ

وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ

رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ

بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ

غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ

أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ

وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ

أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ

لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ

عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ

يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ

وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ

تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها

تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ

وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ

وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ

أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا

وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ

صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ

وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ

وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ

لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ

سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ

وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ

بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا

غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ


وقبل السفر لابد من زيارة سوق حلويات دمشق لشراء كميات منها كهدايا للأهل والاصدقاء. 

ففي (سوق الميدان) الدمشقي الذي  تصطف محلات بيع قطع البقلاوة، وأنواع الحلويات العربية المختلفة، المعمولة بالسمن العربي الذي يغطيها، وتلمع من بريق الأضواء الكثيرة، فتغري المتسوق للشراء حسب مقدرته، فقمنا بشرأء ما نستطيع حمله والدخول به للطائرة، ثم ودعنا دمشق بحمل آخر غير خفيف من الذكريات اللطيفة والمشاهدات الجميلة الخلابة. 


تحياتي

د. عيسى السلامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق