الخميس، 17 مارس 2022

ذُبَابٌ إِلى هَـــذَا الخِـــوَانِ تَـهَــافَـتَ // بقلم الشاعر : د/ يوسف صافي الجيل


 كَانَ لِأَحَدِ الشُّعَرَاءِ المَسِيحِيِّينَ صَدِيقٌ مُسْلِمٌ ، فَاتَّصَلَ بِهِ فِي يَومِ صَحْوٍ جَمِيلٍ ، وَقَالَ لَهُ: يَا عَزِيزِي هَذَا يَوْمٌ جَمِيلٌ مِنْ أَيَّامِ العُمْرِ ، وَ لَنْ أَدَعَهُ يَمْضِي حَتَّى أَتَخَلَّعَ فِيهِ كَأَمْتَعِ مَا يَكُونُ .

فَوَافَقَهُ المُسْلِمُ ، وَ تَجَهَّزَا بِمَلَابِسِ السِّبَاحَةِ وَآنِيَةِ الطَّبْخِ ، فَأَحْضَرَ المَسِيحِيُّ بَعْضَ الخُضَارِ وَالخُبْزِ ، وَأَحْضَرَ المُسْلِمُ دِيكاً سَمِيناً ، وَ ذَهَبَا إِلَى البَحْرِ ، فَدَلَّهُ المَسِيحِيُّ عَلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ عَنِ المُصْطَافِينَ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مَكَاناً جَمِيلاً ؛ يَبْدُو لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ كَأَنَّهُ جَنَّةُ اللهِ عَلَى الأَرْضِ ، فَانْشَرَحَتْ أَسَارِيرُ المُسْلِمِ ، فَأَسْرَعَ يَتَخَفَّفُ مِنْ ثِيَابِهِ وَيَخْلَعُ عِذَارَهُ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ ، ثُمَّ ذَبَحَ الدِّيكَ وَحَضَّرَهُ وَقَطَّعَ الخُضَارَ، ثُمَّ ذَهَبَ مُسْرِعاً لِيَسْبَحَ ، وَتَرَكَ المَسِيحِيَّ يُعِدُّ لَهُمَا الطَّعَامَ ...
فَمَضَى وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى عَادَ المُسْلِمُ مُتَهَالِكاً مِنَ السِّبَاحَةِ ؛ يَإِطُّ بَطْنُهُ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ ، فَرَأَى المَائِدَةَ مِنْ بَعِيدٍ تَتَلَوَّنُ بِأَصْنَافِ الأَدِيمِ وَأَنْوَاعِ الأَطْعِمَةِ ، فَكَادَ أَنْ يَطِيرَ إِلَيهَا فَرَحاً ، وَعِنْدَمَا اقْتَرَبَ وَجَدَ المَسِيحِيَّ مُشْمَئِزّاً مِنَ الطَّعَامِ يُنْشِدُ : ] الطّويل [
ذُبَابٌ إِلى هَـــذَا الخِـــوَانِ تَـهَــافَـتَ
بِلَا دَعْوَةٍ ، أَهْدَى مِنَ اليَدِ لِلْفَمِ
تَرَامَى ـ وَيَا هَوْلِي ـ كَأمْهَرِ غَاطِسٍ
إِلَى صَحْــفَةٍ مِنَ الأَدِيْمِ المُلَحَّمِ
فَنَظَرَ المُسْلِمُ إِلَى صَحْفَةِ الأَدِيمِ وَقَدْ طَفَا عَلَيهَا الذُّبَابُ ، فَأَخَذَ قِطْعَةً مِنَ الخُبْزِ، ثُمَّ غَمَسَهَا وَحَرَّكَهُا جَيِّداً ، وَبَسْمَلَ وَتَنَاوَلَ لُقْمَةً بِمِلْإِ فِيهِ وَأنْشَدَ :
فَسُبْحَــانَ مَنْ طَـنَّ الذُّبَابُ بِحَـــمْدِهِ
وَرَخَّصَ فِي الغَمْسِ وَحَرَّمَ فِي الدَّمِ
تأليف د/ يوسف صافي الجيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق