الخميس، 14 أبريل 2022

طفلة الغروب // بقلم الشاعرة : املي القضماني


 طفلة الغروب

في المساء تهدأ الحياة في القرى ،وتشِعُّ حاراتها بسحر غروب ينعش النبض بالروح... حافلاتها القديمة جاثمة على أرصفة ترابية، والأحصنة المتعبة تدلي رؤوسها تحت غرتها تخفي هديل رموش عينيها في انكسار جائع، فتياتها يقدن المواشي إلى حظائرها، ويضعن أحلامهن على غيمة تؤثث لمطر يهمي على شفة القلب... كان ناي الراعي يحترف الجلوس على شارع الحنين ،وأسراب ضوء ملفوفة بدوالي شوق منذ نعومة حلم على خدود اللهفة ...لا شيء يشبه رقصة الورد على شرايين الحنين في الجدول،تصغي لعزف روح على ناي من قصب حزين .

تحدق يارا طفلة الغروب في الطريق المؤدي لتلك الشجرة ،توزع نظراتها بين باب (الزريبة)، وشخير والدها المدد على تعب النهار في حراثة الأرض ،إنها تلتحف المرارة والإنهاك، تلقي روحها على تراب مترع بنبيذ العمر ...التفتت يمنة ويسرة ولوت رأسها على صدرها، ونفضت عن ذاكرتها نظرات أخيها، نظراته التي لا تشبه الشك إلا بشك اكبر.

عندما ذهبت للراعي في اليوم السابق أوقفتها نظرته الفضولية إليها،وهو يحرِّك بعصبية الجمر في موقد النرجيلة،وهمس بصوت خفيض :لا زالت طفلة ! فأطفأها بلا مبالاة... انبعث في شرايينها غرور الصبا، ومشت غير آبهة بعيون تنهش جسدها الطري، تابعت السير إلى تلك الساحة ،وصوت الناي يثير شهوة تسري لهيبا في كل أنحاء جسدها الغض الطري، ويفجر أنوثتها برغبة جامحة... اقتربت من الجدول وألقت بجسدها الجاثم فوق رغبة تمتلئ عريا وشوقا... تجرأ وراح يتأملها بنظرات تأججت برغبة رجولة مكبوتة، مدَّ اشتعاله صوب جدول ضوء أنثوي مثير... دعينا نذهب بسرعة حبيبتي ،ونتوسد أغصان الحب في غابة القصب القريبة من هناك ،و من تلك التلة حيث نلتحف أنين جسدينا...هيا تعالي وتابعي المسير معي ،لنرتب على مرايا العشق ملامح الحياة.

ارتَدت الفتاة من خاصرة الشوق قبلة تركتها على ناصية غواية، في لحظة التصاق روحي عمدته السماء بماء القداسة... التفا معا بهالة مباركة من ألوهية اللحظة ،أعاد لها صوت ثُغاء القطيع وجه خيبة اغتسلت بمرايا وجه أمها وأخيها، ووخزتها الذاكرة في شرايين الوعي قلقا وخيبة... ارتدت ثيابها المغمَّسة بنبيذ الطهر ،وصوت ناي الراعي ينساب بذاكرة الجسد رغبة مجنونة .. لفَّ روحه حول نبضها وسارا في وحشة العودة الى بيت يؤثث لنعاس كسول،وأمان يلتف بوحدة شوق حارقة، رتبت وجهها بقصيدة الخروج لتغتسل بماء الجدول،وتركت ناي الراعي يغني لموعد قادم.
بقلمي/املي القضماني
الجولان العربي السوري المحتل

هي محاولات : اراؤكم؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

غضبة شاعر// بقلم الشاعر: علي أحمد أبورفيع

 غضبة شاعر __________ سلامٌ على ضالاً قلتُ فيه مديحاً كانَ فيه لا يْضاها أنا مَنْ أَوْقَفَ الجهال شِعري وحقودا  لي بكرهٍ قَدْ دَعاها أني لذي...