رؤية انطباعية وجدانية لروح النص والصور الشعرية ورمزية النص وابعادها الاصيلة لقصيدة قصة عاشق للشاعر الدكتور علي أحمد أبو رفيع بقلم أ. سما سامي بغدادي
.. . ......................................................
النص
.... ...
أيا بيت كم تحوي غيوبا مخبأة
كم أَمْعَن في الشعر شوقا لتقرأه
وينام مع الأحزان في كل آهة
وتسمع آنينا إذا العشق أنكأه
وتذهب منه الحزن وتهديه قبلة
ويشعر أن الأمواج والبوح هدأه
وإذا جاء فقد جفت عين حروفه
بالأوصاف يرويه بوحاً لتملأه
وأطلالاً يكتب ويعزف غنوة
وبالاشعار ينشد ماكان أنشأه
وجاء بالدمع يرجوني سحابة
لعينيه فأصبحت في الحزن مرفأه
وسكران الهوى إن مر متثاقلاً
واضطرب بالأقدار أبطأه
كنت جابرا للخواطر يفرغ سكره
فكنت له قلباً حيث وسّد موطنه
وذاك الولهان يشتكي نار عشقه
فكنت له برد الشتاء لتطفئه
واليوم قد جئت اليكم أذرف قصتي
وقلبي أنا الذي كان يوما ملجأه
في كل حين يفارقني فلا أرى سوى
ظله الممتد طيفه في الجوف فيأه
ألهو الى خل أهيم بوجده
ومن كل عيب إن قلبي برأه
حوى من صفات الجمال كل مليحة
ومن جنة الحُسن والطيب منشأه
كأني رأيت الجمال أوفى كماله
كأن مر منه العيب حقاً وأخطأه
ماكنت ممن يعشق وامسى بالهوى
ولكن سهم الى القلب فاجأه
رق عذابي عطفا لخافقي وبعد
طول زهد بالعشق كافأه
يابحر لما قد تشافي لوعتي
فعجزت اليوم أن لا أدرأه
إن لم ترسل له موجا فمات بدربه
وان لم يرسل التالي الذي فيه أرجأه
علمت باني قد أموت بوحدتي
وها أنا هيأت نفسي كما هو هيأه
::__________٢٠٢٥/٢/٢
بقلم : علي أحمد أبورفيع (ابن الباديه أبورفيع)
رؤية انطباعية وجدانية لقصيدة "قصة عاشق"
تنبض القصيدة بروح العاشق المتيم وتلك الصور الشفافة في رؤية المعاني الانسانية النقية المترفعة النلئة بالحس الوجداني النقي المترف ، حيث رسم الصور بأسلوب مؤثر تجلى فيه روح بهية تنشد معاني الحب الطاهر الذي جعل من بيته مأوى للأحزان وللشعر، كأن المكان ذاته بات كائناً حياً يتفاعل مع وجعه. حيث تتدفق المشاعر بين الهيام واليأس، فيتجلى العشق كحالة قدرية لا فكاك منها، حيث يصور الشاعر معاناته كرحلة بين المد والجزر العاطفي.
2. الصور الشعرية وبنيتها الجمالية:
يعتمد الشاعر على صور غنية بالتشخيص والاستعارة والمجاز الفني الذي ينم عن حرفية عالية في إدارة النص وتطوره الدرامي وتشكيله المؤثر ، فيجعل من البيت كائناً شاعراً، يسمع الأنين، ويهدئ الأحزان. البحر أيضاً يحمل دلالة مزدوجة، فهو ملجأ للحزن وطريق للخلاص، في حين تتحول الأحرف والدموع إلى جسور تعبر عن لوعته. هذه الصور تكسب النص طابعاً تصويرياً يلامس وجدان القارئ، ويجعله شريكاً في التجربة العاطفية وجزء من كيان النص الشعري بعواطفه وصوره الندية بالجمال والخيال المؤثر كتجربة شعرية مؤثرة .
3. رمزية النص وأبعاده الأصيلة:
نجد ان النص يعج بالتفاصيل والصور وابعاد التص ممكن تفسيرها عدة تفسيرات فهي تصلح للتأويل النصي المفتوح حسب رؤية القارئ ووعيه اللغوي وتأثيرات التص في داخله ومن هنا بعض التحليلالات الرمزية للنص الشعري مثل :
• البيت: رمز للذات والمأوىوالشعور بالامان والكنف ، وهو أيضاً شاهد على الأحزان والافراح والمشاعر التي يمر بها الانسان .
• البحر: دلالة على العشق المتلاطم والعمق الروحي المؤثر في دواخل الشعور ، والذي يحمل الأمل تارة، واليأس والخذلان ، والإغتراب، والحزن في صور أخر أخرى.
• السهم: يرمز إلى الحب المفاجئ الذي يخترق القلب دون سابق إنذار.
• الدموع والموج: يحملان رمزية التطهير والبوح، فكما أن البحر يستقبل الموج، كذلك العاشق يكون قلبه مليء بمعاني المودة والشوق ولحنين.
4. البعد الوجداني والعاطفي:
القصيدة مشبعة بالعاطفة الصادقة، إذ يتدرج الشاعر بين مراحل العشق، بدءاً من الإنكار، ثم الاستسلام، وصولاً إلى الحزن والحنين المستمر والارتباط الروحي والشوق الذي يشبه المناجاة النقية بين المعشوق والعاشق الصوفي في فوضويات ندية بمعاني الجمال الروحي . وهذه العاطفة الصادقة ترسم لنا صور اصيلة ندية بمعاني الجمال بأسلوب الشعراء الكلاسيكي من خطوط الشعر العربي التي تتغني بنقاء الحبيب والحنين اليه ، عبر نقل المشاعر بأسلوب شفاف ندي بالمعاني الانسانية المترفة دون تصنع، بل بعفوية تلامس القلب.
5. أصالة اللغة والأسلوب:
يتناول الشاعر لغة عربية جزلة، تجمع بين الرصانة والشفافية، حيث يدمج بين الأسلوب الكلاسيكي والحديث. يتجلى ذلك في التكرار الإيقاعي (مثل: "وإذا جاء فقد جفت عين حروفه")، مما يعزز موسيقية النص وانسيلبية الصور وتدرجها الدرامي وتسارعها الايقاعي المؤثر في روح القارئ . كما أن الشاعر يوظف السجع والتوازي ليضفي إنسجاماً جميلاً على الأبيات.
الموسيقى الداخلية والبنية الشعرية وأبعاد النص الروحية في قصيدة "قصة عاشق"
1. الموسيقى الداخلية والتماسك الإيقاعي
تتمتع القصيدة بموسيقى داخلية عذبة تنبع من عدة عناصر:
• التكرار والتوازي: مثل قول الشاعر:
"وأطلالاً يكتب ويعزف غنوة
وبالأشعار ينشد ما كان أنشأه"
هنا، يأتي التوازي في الجمل ليخلق إيقاعًا داخليًا متناغمًا.
السجع والجرس الموسيقي: نلاحظ تقارب الألفاظ في القوافي مثل:
"وينام مع الأحزان في كل آهة
وتسمع أنينًا إذا العشق أنكأه"
حيث تتلاقى النهايات في أصوات متقاربة، مما يعزز الإيقاع ويخلق تناغمًا موسيقيًا ممتعًا.
التدوير والتفاعل الصوتي:
حيث تتكرر الكلمات ذات الإيقاع المشابه، مثل:
"ماكنت ممن يعشق وأمسى بالهوى
ولكن سهم إلى القلب فاجأه"
مما يمنح القصيدة تدفقًا إيقاعيًا سلسًا.
2. البنية الشعرية والتركيب الفني
• الوزن والقافية:
القصيدة ملتزمة بوزن شعري متزن، مما يمنحها طابعًا موسيقيًا منضبطًا. القافية تتنوع لكنها تحافظ على اتساقها، مما يسهم في استمرارية الإيقاع وجمال النغم.
• الوحدة العضوية:
رغم تنوع الصور والمقاطع، تبقى القصيدة مترابطة، حيث تتدرج من وصف البيت كمأوى للألم إلى تصوير العشق كحالة قدرية، وصولًا إلى استسلام العاشق لمصيره. هذا التماسك يمنحها قوة تعبيرية ويجعل القارئ يعيش التجربة الشعورية بتدرجها الطبيعي.
التصوير والتشخيص:
نجد أن الشاعر يجعل الجمادات كائنات حية، مثل تصوير البيت كرفيق للأحزان، والبحر كطريق للخلاص، ما يضفي على النص بُعدًا تصويريًا غنيًا.
3. أبعاد النص الروحية المكنونة
• الصراع بين القلب والقدر:
يتجلى في تصوير الحب كقوة تفاجئ القلب، والسهم كرمز للقدر الذي لا مهرب منه. هذا الصراع يعكس فلسفة العاشق الذي يحاول أن يفهم مشيئة الحب والقدر.
البحر كرمز للخلود والتطهير:
البحر في النص ليس مجرد عنصر طبيعي، بل هو تجسيد للرحلة الروحية التي يمر بها العاشق، حيث يمثل الطمأنينة أحيانًا والضياع أحيانًا أخرى، مما يعكس حالته النفسية المتأرجحة.
• البعد الصوفي:
في بعض المواضع، نلمح لمسات صوفية، خاصة في الاستسلام للعشق كقدر محتوم، والتطهر عبر الأحزان، مما يشبه التجربة الصوفية في الفناء في المحبوب.
الخاتمة
قصيدة "قصة عاشق" ليست مجرد تعبير عن تجربة حب، بل هي رحلة شعرية موسيقية، ذات أبعاد روحية وعاطفية عميقة. تتجلى فيها موسيقى داخلية متناغمة مع المشاعر، وبنية شعرية متماسكة تجمع بين التقليدي والحديث، مما يجعلها تجربة وجدانية غنية تنبض بالحياة والروح.
و هي تأريخ لحالة وجدانية يتجلى فيها الصراع بين القلب والعقل، بين العشق والقدر، وبين الأمل واليأس. يجيد الشاعر رسم لوحات شعورية تأسر المتلقي، وتجعله يتفاعل مع قصته كأنها جزء من تجربته العاطفية التي تختزنها الذاكرة بمعاني الجمال والالق
أ. سما سامي بغدادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق