السبت، 19 أبريل 2025

رؤية نقدية انطباعية لقراءة النص "مسافر على مركب الفراق" للشاعر المبد ع د.علي أحمد أبو رفيع  بقلم أ. سما سامي بغدادي


 رؤية نقدية انطباعية لقراءة النص "مسافر على مركب الفراق" للشاعر المبد ع د.علي أحمد أبو رفيع 

بقلم أ. سما سامي بغدادي 

..................................................

حين تطالعنا قصائد الشاعر الدكتور علي أحمد أبورفيع (ابن البادية)، فإننا لا نقرأ نصًا فحسب، بل نستقبل نَفَسَ شاعرٍ يحترف الحنين، ويُتقن الإنصات لأوجاع القلب وهمسات الروح. في حضرته يتجلّى الشعرُ ليس كمفرداتٍ مصفوفة، بل ككائنٍ حيٍّ يمشي بيننا، يضمّد الجراح بالكلمات، ويغزل من الفقد طيف أمل خافت في الأفق.

الدكتور علي أحمد ابو رفيع شاعرٌ يُمسك بقلمه كما يُمسك المسافرُ بعصاه في صحراء الذكرى، لا ليتكئ عليه، بل ليرسم به خارطة وجدانه. هو شاعر تتواشج في تجربته ظلال البادية برحابة أرواحها، وتفاصيل الإنسان الحالم المتأمل، حتى لتبدو قصيدته أشبه بتراتيل حبلى بالأنين، ومعلّقة في فضاء التأمل. فلطالما امتعنا 

 الشاعر الدكتور علي أحمد بأسلوب شعري مميز ينم عن اصالة وتفرد في رسم الصور الشعرية وفق رؤية اصولية تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية ذات النكهة العصرية، حيث التزام البحر والقافية الذي لايحد من الرؤية و لا يُعطّل صدق العاطفة ولا يحدّ من طراوة وهشاشة وترافة الصور الشعرية التي تستدعي معاني النقاء والاصالةوصدق الشعور وسط عالم مادي مليء بالخداع والخذلان . 



أولاً: الأبعاد الروحية والصوفية


قصيدة "مسافر على مركب الفراق" هي رحلة روحية داخل الذات، أقرب ما تكون إلى مكاشفة صوفية، يتجلى فيها العشق كقيمة مطلقة، ووسيلة للارتقاء بالروح، لا مجرد تجربة إنسانية عابرة.

حيث التأمل في معاني الذات وسط التيه الوجودي والسؤال عن الهوية كما في الابيات 

"وتسألني فلا إدري من أنا

إن كنت أنا المرء تحت ثيابي"

هذا المقطع يفتح أفقًا تأمليًا عميقًا، حيث يتساءل الشاعر عن ماهية الذات، وهو سؤال جوهري في التصوف، حين يُمحى الشعور بالـ"أنا" في حضرة الحب، أو في حالة الفناء في المحبوب. إنه شك وجودي، وانكشافٌ لجوهر الإنسان حين ينخلع عن القشور.

مع التحاور مع الفؤاد كمصدر للمعرفة كمافي الابيات 

"سألت الفؤاد عن دواء مواجعي

فأجاب الدواء في رؤية الأحباب"

فهنا، يتحول القلب إلى كائن عليم، كما في التجربة الصوفية، حيث القلب هو النافذة إلى الله والمعنى. فالشاعر لا يبحث عن الدواء خارجًا، بل يغوص في داخله ليجد أن رؤية المحبوب (الذي قد يكون رمزًا إلهيًا أو وجدانيًا) هي الدواء.

 وكما في مكاشفة معاني الحنين إلى النور وسط العتمة في مقطع القصيده :

عسى ألاقي الشمس بعد ضباب"

هذه الصورة تحمل رمزًا صوفيًا واضحًا؛ الشمس تمثل نور الحقيقة والمعرفة الإلهية، بينما الضباب هو حجاب النفس والهوى. إنه يتمنى الوصول إلى الصفاء بعد التجربة، كما يسعى المتصوف للوصول إلى الكشف بعد مجاهدة النفس.

كما ينفرد الاعر المبدع في التعبير عن معاني الشجن والوجد ، فالشجن في هذا النص لايمثل حالة شعورية عابرة، بل نسيج داخلي للنص ، ومصدره الأساسي هو الفقد المرتبط بالحب والغيابكما في مقطع القصيدة :

"لم أبك على الفراق وإنما

بكائي على حال الهوى بغيابي"

وهنا تتجلّى الحسرة على فساد الحال لا على الشخص، وهذا يعمّق المعنى ويمنحه بعدًا وجدانيًا راقيًا.

الجزء الثاني من الرؤية الانطباعية للنص المقدم 


أبعاد النص الوجدانية والروحية:


في قصيدة "مسافر على مركب الفراق"، ينطلق الشاعر النبيل علي احمد أبو رفيع من مقام الحزن النبيل ، فيقول منذ المطلع:


"لم أبكِ على الفراق وإنما

بكائي على حال الهوى بغيابي"


هنا نلمح نضج التجربة الشعورية، إذ لا يكتفي الشاعر بتسجيل الألم، بل يتجاوزه إلى تفكيكه؛ فالبكاء ليس على الفقد بحدّ ذاته، بل على تبدّل الأحوال وخراب المعنى في غياب الذات العاشقة. وفي هذا تجاوز للحزن إلى ما يشبه المرثية الوجودية للحب، حين يتحوّل الهوى إلى كيان محتضر بفعل الغياب. وهناوتتجلى كينونه الحب القوة العظيمة المحركة لهذا الكون في رسم ابعاد صور شعرية ملامسة للمتلقي يزهر فيها النقاء والمعاني الانسانية ويتجلّى البُعد الروحي والوجداني كما في مقطع النص حين يقول:


"وسألت الفؤاد عن دواء مواجعي

فأجاب الدواء في رؤية الأحباب"


فالشاعر هنا يستبطن الحوار مع القلب لا باعتباره عضلةً، بل ككائنٍ صوفيّ له وعيه، ومثل هذه الأساليب تفتح النص على تأويلات روحية عميقة، يتردد فيها صدى العاشق الصوفي الباحث عن وجه الحقيقة في محبوبه.


ففي قوله:


"رحلوا وخيالهم كأنه في ناظري

سيظل سطور حروفهم بكتابي"


نجد قدرة بارعة على استحضار الغائب كحضورٍ دائم، عبر فعل الكتابة، وهنا تتقاطع الذاكرة الشخصية مع الذاكرة الشعرية، حيث تتحول الحروف إلى وسيلة تواصل بين العاشق والراحلين.


كما يتميز النص بالتدرّج العاطفي؛ من الاستفهام الوجودي في بداية القصيدة:


"وتسألني فلا أدري من أنا"


إلى ذروة الانكسار في الخاتمة:


"أبكي ويا ويحي، فعلني

أسقي قريضي دمعة الأهداب"


وهذا التدرج يمنح النص بنية داخلية نابضة، تصعد فيه العاطفة وتتهادى بين الحنين والخذلان، بين انتظار اللقاء ومرارة الغياب.

والوحدة في بيت الأحزان حيث يتجلى ذلك في مقطع القصيدة 

"وبقيت وحدي في بيت أحزاني

ما استخلصت إلا الهوى الأواب"

فالشاعر هنا لا يعيش الحزن فحسب، بل يتخذه سكنًا دائمًا. والهوى الأوّاب يشير إلى حبٍّ يعود إليه دائمًا رغم الألم، كما يعود المتصوف إلى الذكر والتأمل رغم المعاناة.

كما يزهر الشعور في صور ابداعية مليىة بالشجن في دمعة الأهداب كشكل من تجلي الشعور النقي المترف كما في مقطع

"أسقي قريضي دمعة الأهداب"

ففي هذا البيت، يقدّم الشاعر دمعه قربانًا، يُروى به الشعر. وهنا تتحول القصيدة إلى طقس تطهيري، يكتب فيه الشاعر بحبر من الوجع.

خاتمة:

في "مسافر على مركب الفراق" لا نجد فقط مسافرًا نحو الغياب، بل نجد شاعرًا يعود إلى نفسه، إلى جراحه، ليكتب بها شعراً يبقى. إن الدكتور علي أحمد لا يكتب ليُدهش، بل ليبوح، ليُشارك قارئه ذلك الحزن النبيل الذي لا يُقال إلا بالشعر. هي 

قصيدة وجدانية مترفة شجية و دعوة إلى تأمل الذات العاشقة، والسفر في بحور الوجدان، حيث تكون الكلمة مرآة للروح، والقصيدة مأوى لكل قلبٍ أحبّ وابتُلي بالغياب.

هذه المفارقات التي تعكس التعلق بالأمل، والإصرار على الحب رغم مرور الزمن. إنها قمة الوجد، حين يبقى القلب نابضًا وسط الذبول.

نص الدكتور علي أحمد أبورفيع يعبر عن حالة من التلاقي بين الشعر الصوفي والوجد الإنساني، حيث يصبح الحزن بوابة إلى المعرفة، ويصبح الفراق مدخلًا لرؤية الذات في حقيقتها العارية. الشاعر لا يرثي فَقْدًا عاديًا، بل يعبّر عن انكسار روحي داخله، وعن اشتياقٍ لم يُشبع إلا بكتابة الحرف الاصيل 

إنه نص يعانق الروح، ويتكئ على أنينها، ويمنح القارئ فرصة للتطهر من داخله، تمامًا كما يتطهر الشاعر عبر حرفه المترف النقي بوركت وابدعت شاعرنا النبيل 

أ. سما سامي بغدادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجاراة بعنوان ( على قارعة الإنتظار) بين الشاعر : علي أحمد أبورفيع والشاعرة المبدعة : عبير سليمان

 مجاراة بعنوان ( على قارعة الإنتظار) بين الشاعر : علي أحمد أبورفيع  والشاعرة المبدعة Abeer Slayman  ________________________________________...