خاطرة ُ الصباح : 18/02/2022 :
(الكرم ُ من مكارمِ الأخلاقِ ) : بحثٌ وإعداد : حسين نصر الدين .
مِثال ٌ عن الكرم (كرمُ حاتمٍ الطائي) :
كان َحاتمٌ الطائي شاعراً جاهلياً معروفاً من أهلِ نجدٍ ، فارس جوّاد من قبيلة طيئ مَضْرَب المثل في الجود والكرم كان رئيساً مُطاعاً في قومِه وشريفاً مقصوداً من مُعاصريه وسيداً مهاباً منْ ملوكِ عصرهِ وأجداده جميعاً سادة نجباء تزوج ماوية بنت حجر الغسانية والنوار ثرملة البحترية ،ويكنى أبا سَفَّانة ، وأبا عدى ، له ديوان شعري واحد . وكان بحراً يفيض عطاؤه ، ولا يغيض سخاؤه أي لا ينقطعُ كرمُه ، لا يظمأ وارده ، ولا يمنع سائله ، وكان لا ينتظر السائل حتى يأتيه فحين يشتد القحط ويعز القِرَى في الشتاء وتعصف الريح الباردة بأطنابِ حبالِ الخيام ويزيد البرد من شعور الإنسان بالطوى ، يدرك حاتم ما يقاسيه الناس فيرسل إليهم دون أن يسألوه ما يدفع عنهم عاديةَ أيْ ضرر الجوع ويأمر غلامه أن يوقد ناراً في بقاع من الأرض عسى السائر ليلاً أن يهتدي إليها :
أوقـــــــد فإن الليلَ ليلُ قرٍ *** والريحُ يا موقدَ ريح صرٍ ..
عسى يرى نارَكَ من يمرُ *** إنْ جلبتَ ضيفاً فأنت حرٌ ..
كان الجوعُ ينهشُ الأمعاءَ وكادَ الفقرُ يفْتِكُ بالبُسطاءِ في بيئةٍ صحراويةٍ قاحلةٍ وظروف ٍمناخيةٍ قاسيةٍ وحروبٍ ونزاعاتٍ مستمرةٍ ، فقدر حاتم معنى الإنسانية وقدَّمَ للسائلِ وغير السائلِ القريبِ والبعيدِ ما يحفظ ُعليه حياتَه أو يسدُ رمقَه أو يروى عَطَشَه ُ.
وقد هجرته زوجته ماوية وأكثرت زوجته نوار من لومه وأطالت في عزلِه ورأتْ أنَّ أهله وعيالَه أحقُ بما يعطيه الناس وهنا أخذ حاتم ينصح زوجته نوار بالإقلال من لومه قائلاً لها : مهلاً يا نوار إن المال الذي أبقيه سيأخذه غيري إذا مت ولن يبقى لي سوى سوء الثناء . وكان حاتم صفوحاً يغفر زلاتِ قومِه ؛ استبقاءً لودِهم وحفاظاً على صداقاتهم وهو في سبيل ذلك قد شَقَ على نفسِه وكلَّفَها فوْقَ طاقَتِها ولكنه يدرك أن الحلم َكفيل ٌبدفعِ أذاهَمْ وكمْ منْ مرة صكت سمعه أيْ صدمته كلمةٌ قبيحةٌ من شخصٍ فأعارَها أذناً صماءَ تنزيهاً لنفسِه وتكريماً لها .
وكان عفيفاً عف عن كل ما يشين وكفّ نفسه عن المطامع وصانها عن فعل الدنيات وبلغ من استحياء حاتم من جاراته وحفاظه على شرفهن وعدم خدش حيائهن أنه ما مر بإحداهن إلا وتغافل أو تعامى كأنه لا يراها أو لا يعرفها . ومن فضائل الكريم اللازمة أيضا الصدق وحاتم كان إذا حدث صدق وإذا وعد أوفى بوعده فالكريم حريص على سمعته والإنسان رهن ٌ مُقيد ٌبأعماله .
وحاتم رجل محب للسلام في عصر اتسم بالقوة عصر لا تكاد الحروب فيه تتوقف وأوشكت القبائل أن تتفانى فاعتزل حاتم حرب الفساد التي سقط فيها خيرة قومه ، ونزل في بني بدر ؛ لأنه كان يكره العنف ويبعد ُعن الشر وكان ينصح ابنه عدياً قائلاً : إذا رأيت الشر يتركك فاتركه .
وكانَ متواضعاً رغم أنه قومه مرموق ُالمكانةِ ، لا يتيه ولا يرى نفسه فوق الناس وليس من العسير أن يمتاز رجلٌ بالجود وآخر بالعفة وثالث بالصفح والتسامح والتواضع لكن من العسير أن تجتمع كل هذه الشمائل لرجل واحد فإن اجتمعت له فهو الكريم بلا منافسٍ ..
فليقرأ شبابُنا سيرة أصحابِ القيم وذوى مكارمِ الأخلاقِ ، وحرىٌ أنْ يتَّحلَّوا بهذِه الصفاتِ وعسى الأُمة العربية أن تُربِى أبناءَها على هذه القيم الرفيعة والصفات النبيلة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق